بسم اله الرحمن الرحيم
الحمد لله
والصلاه والسلام على سيد الخلق ومصطفاه
صل الله عليه
وسلم
اما بعد
الحمد لله والصلاه والسلام على سيد الخلق ومصطفاه
صل الله عليه وسلم
اما بعد
نرتكب
في حياتنا اليومية الكثير من الأخطاء بدون شك، سواء كانت أخطاء بسيطة؛ كأن
أرتكب خطأً إملائياً في هذا المقال ربما، أو أخطاء أشد وقعاً كأن أصلَ
سلكاً كهربائياً بشكل خاطئ وأتسبب بكومة من الأعطال في مختلف الأجهزة
الموصولة حول المنزل، لكن هذه الأخطاء تبقى صغيرة إلى حد بعيد عند مقارنتها
بتلك التي تسببت بخسائر كبيرة حقاً كالتي سأقوم بذكرها هنا.
أول
ما يخطر بالبال عند الحديث عن أخطاء مكلفة هو تلك الأخطاء الناتجة عن
تقنيين أو مسؤولين كبار تتسبب بفشل مشاريع كبرى ربما، وفي معظم الحالات
فهذا التوقع صحيح جداً، لكن الأخطاء الشخصية من قبل أشخاص عاديين قد تتسبب
بخسائر كبرى قد لا تخطر بالبال.
على أي حال فهنا قائمة ببعض من أكثر الأخطاء تكلفة:
عندما تخلى James Howell عن رصيده من عملة البيتكوين Bitcoin
في
عام 2009 وفي أولى أيام عملة Bitcoin كان Howell قد استخدم حاسوبه للتنقيب
عنها وجمع بفضل ذلك حوالي 7500 بيتكوين، لكن تلك كانت أياماً مختلفة عن
الآن، وما جمعه Howell لم يكن يساوي سوى بضعة سنتات فقط أي أنه دون أدنى
أهمية، لذا عندما سكب شرابه على حاسوبه لم يكلف نفسه عناء محاولة إصلاحه
حتى، فقد كان قديماً كفاية ويحتاج التبديل، وبالطبع لم يخطر له أن يفكر حتى
بقيمة العملة التي توجد معلوماتها عليه.
الأمر
استمر دون أي تغيير حتى نهاية عام 2013، حيث لاقت عملة البيتكوين أول صعود
”مفاجئ“ في تاريخها، وخلال أسابيع فقط ارتفعت من دولارات قليلة إلى حوالي
ألف دولار لتتصدر عناوين الصحف والأخبار حينها، وتذكر Howell بعملاته التي
كان قد تخلى عنها لأنها دون أدنى قيمة.. بالطبع فالخسارة لم تكن سهلة
ونتيجة الارتفاع حاول James استعادة حاسوبه القديم ونبش عنه في مكب
النفايات، لكن دون أدنى فائدة.
لو
أن James لم يرمي حاسوبه القديم، لكان مليونيراً مع ثروة تزيد عن 6 ملايين
دولار عام 2013، ولو احتفظ بالعملات حتى اليوم، لكانت ثروته تزيد عن 47
مليون دولار.
يجب
التنويه هنا إلى أن أسعار عملة البيتكوين غير مستقرة أبداً، لذا فتجربة
James ليست أمراً سهل التكرار، فبعد شهرين فقط على وصولها لسعر 1000 دولار
أمريكي للمرة الأولى انحدرت حتى 200 دولار فقط، وعبر السنوات كان هناك عدة
حالات حيث ترتفع بشكل مفاجئ وكبير لتعود وتنخفض مجدداً دون أن تستقر لفترات
ممتدة من الزمن.
عندما خسرت شركة القطارات الفرنسية الملايين بسبب بضعة سنتيمترات
عام
2014، كانت الشركة المسؤولة عن تشغيل شبكة الخطوط الحديدية الفرنسية ضمن
خطة جديدة لإعادة تجديد شبكة السكك الحديدية، باستخدام قطارات جديدة وحديثة
تستطيع تخفيض الضغط الكبير على النقل الحديدي، هذه الترقية لم تكن صغيرة
بأي معيار حيث تضمنت شراء 2000 قطار جديد مبني خصيصاً ليتناسب مع القياسات
المطلوبة والمتوافقة مع حجم محطات القطار حول فرنسا.
تم جمع بيانات هذه المحطات وتحليل عرض منصاتها وأرصفتها لمعرفة العرض والأبعاد المناسبة للقطارات الجديدة.
جمعت
البيانات بدقة، إلا أنها أغفلت شيئاً مهماً وهو البحث عن محطات القطارات
القديمة، فالسجلات كانت تتضمن جميع محطات القطارات المبنية خلال الأعوام
الـ30 الأخيرة، ومع أن غالبية المحطات بنيت أو تم تجديدها خلال هذه المدة
الزمنية، فواحدة من بين كل 6 محطات كانت أقدم من ذلك وتمتلك ممرات أصغر
بحوالي 20 سنتيمتراً من تلك الحديثة وبالتالي لم تكن تسمح بمرور القطارات
الجديدة.
كون
إعادة القطارات الجديدة إلى المصنع لم يكن خياراً متاحاً، وتعديلها للحجم
الجديد كان سيكلف الكثير من المال، لم يكن أمام الشركة إلا أن تقوم بإعادة
بناء وتحديث جميع المحطات الغير متوافقة مع القطارات الجديدة، ومع أن هذا
الخيار كان أرخص من إعادة تخصيص القطارات الجديدة وتغيير أبعادها، فهو لم
يكن رخيصاً أبداً وانتهى الأمر بتكلفة حوالي 60 مليون دولار إضافي حسبت
كخسائر كونها لم تكن ضمن المخططات الأصلية.
عندما تخلى أحد مؤسسي Apple عن حصته من الشركة
عام
1976، كان Ronald Wayne يعمل مع Steve Jobs في شركة Atari للألعاب خلال
فترتها الذهبية، لكن في نفس العام ترك الاثنان الشركة واجتمعا مع Steve
Wozniak ليأسسوا معاً شركة Apple بميزانية صغيرة للغاية حينها، لكن بينما
أكمل كل من Jobs وWozniak مسيرتهما معاً للأعوام التالية؛ فـWayne -الذي
كان قد صمم الشعار الأول للشركة وقدم التصاميم الأولية وخطط للوثائق
الرسمية كذلك- خشي أن الشركة لن تتمكن من تحقيق أي نجاح يذكر لذا بعد أشهر
فقط قرر التخلي عن حصته في الشركة مقابل 800 دولار قبضها مباشرة و1500
دولار إضافية قبضها في العام التالي.
طوال
سنوات لاحقة لم يندم Wayne على قراره هذا، فمع أن الشركة تمكنت من
الاستمرار وتقديم المنتجات بين الوقت والآخر مع نجاح متوسط، فأسهمها لم
ترتفع بشكل دراماتيكي حقاً حتى مطلع الألفية.
على
أي حال، فمع أن Wayne يصر حتى الآن أنه غير نادم على تركه لـApple عام
1976 فلو أنه احتفظ بحصته من الشركة حتى اليوم لكان يمتلك ثروة تقدر بـ80
مليار دولار تضعه بسهولة بين أثرى الأشخاص في العالم.
للأسف
فمسيرة Wayne عبر حياته لم تكن موفقة تماماً، فبعد تركه لـApple عاد للعمل
لدى Atari قبل أن يتركها ويشارك في تأسيس عدة مشاريع لم تتمكن من النجاح،
ليختتم مشواره المهني بالتقاعد وفتح متجر للطوابع والعملات النادرة.
للأسف
فسوء حظ Wayne رافقه في عدة مواضع أخرى كذلك، ففي بداية التسعينيات قام
ببيع الورقة التي كتب عليها العقد الأصلي بينه وبين Wozniak وJobs مقابل
500 دولار فقط، ليعاد بيع نفس الورقة عام 2011 بأكثر من مليون دولار.
عندما تنازلت شبكة Fox عن عائدات أفلام Star Wars
عام
1971، كان المخرج الشهير George Lucas قد وقع عقداً مع شركة Universal
Studios لإخراج فيلمين، أخرج واحداً منهما هو American Graffiti عام 1973،
لكنه لم يحصل على فرصة لتقديم عمله التالي حيث تخلت الشركة عن العقد ورفضت
فيلم المخرج الجديد، وبعد معاناة تمكن من إقناع شركة Twentieth Century Fox
بإنتاج العمل الذي احتاج سنتين لاحقتين لإعادة صياغته مجدداً كونه كان صعب
الفهم وغير واضح.
هذا
العمل هو ما كان لاحقاً فيلم Star Wars الأول عام 1977 والذي بدأ سلسلة من
أهم وأنجح الأفلام في تاريخ السينما الحديثة، لكن قبل إنتاجه كان العمل
يبدو وكأنه فاشل بامتياز من وجهة نظر الشركة المنتجة، لذا وضمن مسعاها
لتقليل تكاليف الإنتاج لأدنى حد ممكن قامت الشركة بعرض حقوق الاستفادة من
العلامة التجارية على Lucas مقابل تخليه عن جزء من مستحقاته، ولسوء حظ
الشركة فـLucas كان واثقاً كفاية من فيلمه ليقبل الصفقة.
عبر
السنوات أثبتت محاولة Fox لتوفير المال خطأها السيء جداً مع النجاح المدوي
لأفلام Star Wars التي أنتج منها 11 فيلماً حتى اليوم (مع فيلم إضافي قادم
عام 2018) وحققت أرباح تقدر بـ20 مليار دولار من علامتها التجارية جاعلة
من Lucas مليارديراً مع ثروة تقدر بـ5 مليارات دولار اليوم ومضيعة على Fox
الكثير من المال.
عندما حطم النظام الإمبريالي مسباراً فضائياً
بداية
من عام 1990 كانت وكالة الفضاء الأمريكية NASA قد بدأت بتطوير مسبار فضائي
مخصص لاستكشاف الكوكب الأحمر: المريخ، لدراسة مناخه عبر عدة سنوات والبحث
في موضوع وجود مياه على سطحه.
بحلول
عام 1999 كانت NASA قد صرفت حوالي 125 مليون دولار على تطوير وتجهيز هذا
المسبار وإطلاقه خارج الغلاف الجوي للأرض ليبدأ مهمته البعيدة، لكن مع
اقتراب المسبار من الكوكب الأحمر فقد الاتصال معه واكتشف لاحقاً أنه قد سحب
ضمن مجال الجاذبية الخاص بالمريخ وتحطم على سطحه.
يستخدم
العالم اليوم نظامين مختلفين جداً للواحدات سواء للأطوال والأحجام
والأوزان حتى، الأول هو النظام المتري المستخدم على نطاق عالمي وبشكل شبه
حصري في الوسط العلمي، والآخر هو النظام الإمبريالي الذي يستخدم واحدات طول
مثل البوصة والقدم والياردة وواحدات وزن مثل الأونصة والباوند والطن
القصير ويستخدم في مكانين فقط حول العالم: الولايات المتحدة الأمريكية وبلد
أفريقي صغير أسسه بعض ”العبيد“ العائدين من الولايات المتحدة بعد حربها
الأهلية باسم ليبيريا..
على
أي حال فالواحدات الإمبريالية تعد غريبة جداً بالنسبة لمستخدمي النظام
المتري والتحويل بين الواحدات غالباً ما يكون مزعجاً للغاية وهنا بالضبط
تكمن المشكلة.
تحطم
المركبة الفضائية في الواقع كان نتيجة خطأ بسيط، فبينما كانت جميع
المجموعات المعنية بتتبع مسار المركبة وتوجيهها تستخدم النظام المتري (الذي
يعد النظام السائد في المجال العلمي حتى في الولايات المتحدة) فمجموعة
واحدة كانت تستخدم النظام الإمبريالي ونسيت تحويل واحداتها من الباوند إلى
النيوتن متسببة بخطأ صغير جداً لكن كافٍ لتشويش توجيه المركبة ودفعها إلى
مسار أقرب للمريخ من المدار المفترض، مما جعل الكوكب الأحمر يسحبها بقوة
بجاذبيته محطماً إياها على سطحه، وبذلك ضاعت سنوات من العمل وملايين
الدولارات لأن فريقاً من العلماء قرر استخدام النظام الإمبريالي بدلاً من
العرف العلمي والنظام المتري.
عندما تسبب مضارب واحد بخسارة 8 مليارات دولار
الحديث
عن أمور البورصة والأسهم ليس بالحديث المحبب عادة كون الموضوع غالباً ما
يكون عصياً على فهم الأشخاص غير المطلعين على الإقتصاد، وبالأخص في حال كان
الأمر عن الأزمة المالية التي حصلت في عامي 2007 و2008 وحملت تداعيات
استمرت لسنوات لاحقة، على أي حال سأحاول تبسيط الأمر قدر الإمكان لجعله
قابلاً للفهم ولتبيان ما الذي حدث خطأً ليتسبب بهذه الخسارة العظيمة.
عادة
ما يتم إقراض المال من قبل البنوك للأشخاص لشراء المنازل بناءً على
تقييمهم الائتماني، هذا التقييم يزداد بازدياد استقرار الشخص المالي ووفائه
بالتزاماته ووجود مدخول دوري ثابت، لكن ما حدث في بداية الألفية كان أشبه
بفقاعة كبيرة من القروض حيث كانت البنوك الصغيرة تعطي المال لأي كان مهما
كان تقييمه الائتماني سيئاً، ومن ثم تبيع هذه الديون للبنوك الاستثمارية
مثل بنك Morgan Stanley.
هذه
الممارسات استمرت حتى عام 2006 تقريباً حيث بدأت الأقساط بالتراكم على
مئات الآلاف من القروض التي عجز أصحابها عن سدادها (مع كونهم أصلاً غير
مهيئين لسداد هكذا التزامات) والنتيجة كانت إعادة استملاك العديد من
المنازل وتحطم في أسعار العقارات في الولايات المتحدة تبعه إفلاسات بالجملة
للبنوك الكبرى وتمدد الأزمة نحو أوروبا وبقية العالم.
على
أي حال، فالحالة هنا مخصصة بأحد المضاربين الخاصين ببنك Morgan Stanley
باسم Howie Hubler كان قد جنى ثروة من إسهامه بصفقات شراء الديون من البنوك
الصغيرة، وكون أسعار العقارات كانت في ارتفاع مستمر منذ عام 2000 ففي عام
2006 كان قد راهن بالكثير من أموال البنك على المزيد من الازدهار العقاري،
لكن العكس هو ما حدث لاحقاً وبالنتيجة خسر البنك 8 مليارات دولار بسبب هذا
الموظف وحيداً، واستمر بالخسائر بعدها حتى قامت الحكومة الأمريكية بإخراجه
من الازمة بكفالته بـ107 مليارات دولار عام 2008.
خطأ كتابي كاد أن يقضي على شركة
عام
2003، قررت شركة Mizuho Securities البنكية اليابانية أن تختبر الإقبال
على أسهمها بأن تطرح سهماً وحيداً للتداول وبسعر مبالغ به هو 610,000 ين
(حوالي 5000 دولار) وكان من المفترض أن يقوم أحد المضاربين الخاصين بالشركة
بطرح هذا السهم للتداول، وهنا بدأت المشكلة حيث جرى خطأ أثناء ملئ الخانات
وبدلاً من وضع سهم واحد بسعر 610,000 ين، وضع 610,000 سهم بسعر ين واحد
فقط.
عدد
الأسهم المعروضة كان أكبر بـ40 مرة من عدد الأسهم المتاحة من الشركة
أصلاً، وعلى الرغم من احتجاجات الشركة المتكررة فقد سمحت إدارة بورصة طوكيو
بالصفقة وتسببت بخسائر كارثية للشركة لم تكلفها فقط بيع جزء كبير منها
بالمجان تقريباً، بل خفض قيمة الجزء غير المباع كذلك نظراً لتأثره بما حدث،
وبعدما اتضحت الأمور لاحقاً كانت الشركة قد خسرت كل قيمتها السوقية
تقريباً وتحولت من شركة بقيمة عدة مئات من ملايين الدولارات إلى شركة صغيرة
جداً، وكل ذلك بسبب خطأ صغير جداً.
عندما استحوذت AOL على Time Warner
في
حال كنت قد ولدت بعد منتصف التسعينات فأنت على الأرجح لم تسمع باسم AOL
أبداً، لكن بالنسبة للأجيال السابقة فهذه الشركة كانت واحدة من أهم
اللاعبين على الساحة التقنية وأكبر مزود للإنترنت في الولايات المتحدة
حينها مع قيمة سوقية تبلغ بضعة مئات من مليارات الدولارات.
في
الواقع، فأمور AOL كانت تجري بشكل جيد كفاية بحيث كان من الممكن لها أن
تقوم بالاستحواذ على شركة Time Warner للاتصالات بصفقة كسرت الأرقام
القياسية حيث كانت قيمتها 164 مليار دولار، على الرغم من أن معظم الخبراء
حينها كانوا قد قيمو Time Warner بـ100 حتى 110 ملايين دولار فقط، أي أن
الاستحواذ كلف أكبر من قيمة الشركة الفعلية ألف مرة!
ليزداد
الطين بلة، فالأمر حدث عام 2000 ضمن ما يعرف بفقاعة (دوت كوم) .com حيث
كان الإقبال الاستثماري على الإنترنت حينها كبيراً جداً بحيث ضخم حجم
الشركات بشكل أكبر من قيمتها الحقيقية، وأنهى الأمر باكتشاف المستثمرين
لخطأ التقديرات و”انفجار الفقاعة“ التي أودت بمئات الشركات التقنية وكادت
أن تنهي شركات مثل Amazon وMicrosoft وApple تماماً.
وكون
AOL كانت الرائدة في مجال الإنترنت فقد كانت واحدة من أكبر المتضررين
حينها، واستمرت معاناتها حتى افتراقها عن Time Warner عام 2009 حيث قدرت
قيمتها السوقية بـ1.8 مليار دولار فقط.